You are currently viewing الشعور بالغربة مع من نحب!

الشعور بالغربة مع من نحب!

هل شعرت يومًا أنك في غربة بالرغم من أنك بين أصدقائك المقربين؟— فلا توجد بينكم روابط فكرية، أو قيمية، أو في الأنشطة والاهتمامات. تجمعكم الألفة، والمحبة، والمواقف، والسنوات الطويلة، وتفرقكم فجوة كبيرة تزداد اتساعًا بمرور الوقت. لست وحدك يا عزيزي!

‏يعيش أعداد كبيرة من الناس غربة اجتماعية لأسباب عدة مرتبطة بعدم وجود روابط قريبة وودية مع الآخرين، أو عدم وجود روابط ذات معنى وقيمة بالنسبة لهم.

‏صداقات الطفولة وصداقات مراحل الدراسة قد تستمر وتكون مرضية ومشبعة، إلا أنه في أحيان أخرى قد تجعلنا نشعر بعدم الرضا والانتماء لأنها نشأت في سنوات مبكرة تتسم بالتغير والتشكل، مما يدفعنا للبحث عن أُناس يشبهوننا ويتشاركون معنا قيمنا واهتماماتنا وبعض توجهاتنا التي تشكلت عبر السنين.

‏التحدي هو أن فرص تكوين الصداقات تقل مع التقدم بالعمر وتقلل معها الرغبة أو القدرة لأسباب عديدة. فلا توجد سياقات طبيعية كثيرة تشبه سياقات المدرسة والجامعة التي نجد أنفسنا فيها مدفوعين طبيعيًا بحكم المرحلة لتكوين العلاقات مع أقراننا، كما أن هنالك نسبة كبيرة من الناس شكلت دوائرها الاجتماعية (بغض النظر عن رضاها عنها) وليس لديها الرغبة في تكوين صداقات جديدة، أو أنها لا تملك الوقت والطاقة للدخول في هذه العملية.

‏ومع ذلك، هنالك أعداد كبيرة من الناس لديهم الرغبة في تكوين الصداقات؛ فقد أتاحت لي السنتين الماضيتين مقابلة العشرات من هؤلاء الناس الذين وجدوا أنفسهم بمعزل عن صداقاتهم الحالية، أو دفعتهم الظروف للابتعاد عن أصدقائهم وأحبابهم كمن انتقل للرياض حديثًا أو عاد بعد سنوات من الابتعاث، أو من مر بمراحل حياتية غيرت من شخصيته ونمط تفكيره واهتماماته. هنالك شيء مشترك بين هؤلاء الناس، هو حاجتهم لصداقات عميقة بالرغم من أن أعمارهم متفاوتة (صغار وكبار).

‏دفعني الالتقاء بهؤلاء الأشخاص لتغيير قناعتي بشكل أكبر حول تكوين الصداقات واستمراريتها. فقد توصلت إلى أن:
‏1. الصداقات قد تنشأ مبكرًا وقد تمتد، ولكن ليس هذا هو معيار الصداقة الجيدة.
‏2. بالرغم من أن فرص تكوين الصداقات تقل مع الكبر، إلا أن هنالك دائمًا فرصًا لتكوينها، لأن هنالك آخرين أيضًا يشاطروننا نفس الشعور والرغبة.

‏هذان الاستنتاجان ينبثقان من حقيقتين: الأولى هي أنه لا يجب علينا أن نستمر دائمًا بصداقات شكلية تفتقد للقيمة؛ فلا تضيف لنا ولا للأطراف الأخرى. هذه ليست دعوة لقطع الصداقات، وإنما للتأمل في حال صداقاتنا. الثانية هي أن محدودية الفرص لا تعني عدم وجودها، بل تؤكد على الحاجة للبحث عن هذه الفرص المحدودة أو حتى صناعة فرص جديدة تتيح لنا التقاطع مع أشخاص يشاركوننا نفس المبتغى. فأنا مؤمن بأننا لا نعيش خبرات ومشاعر متفردة، وإنما مشتركة مع الكثيرين. كما أن بعض الفرص نحتاج أن نصنعها من خلال تهيئة الظروف ما أمكن وتسخير الأدوات المتاحة.

‏شخصيًا، كثيرًا من صداقاتي الجيدة تكونت في مراحل متأخرة من حياتي، بل إن السنوات الثلاث الأخيرة سمحت لي بتكوين صداقات لا تقل عمقًا عن تلك التي كونتها في مراحل مبكرة. هذه الصداقات أتت من روافد متعددة، منها مبادراتي الشخصية، ومخالطة زملاء العمل، وحضور المجتمعات المتنوعة. الجدير بالذكر هو أنني ما زلت أسعى لتعميق هذه الصداقات، وما زلت منفتحًا على صداقات جديدة.

‏إن الصداقات الجيدة ليست مجرد علاقات اسمية وشكلية ومبنية على المجاملات، بل هي علاقات عميقة تضفي لحياتنا أبعادًا جديدة وتجعل الأوقات التي نقضيها مع الأصدقاء أكثر متعة وإثارة.

‏تذكروا أن السعي لتكوين علاقات جديدة ليس بالأمر السهل ولكنه يستحق الجهد. فالحياة مليئة بالفرص لتكوين روابط جديدة، وقد تكون الصداقة التي تسعون إليها أقرب مما تتخيلون.

‏تمنياتي لكم بصداقات ذات معنى وقيمة.

‏*يستند هذا الطرح على فهم للأدبيات النفسية التي تتناول قضايا مثل تشكل العلاقات الاجتماعية وتأثيرها، والشعور بالوحدة، والانتماء، والرضا.

Omar Albaraidi

مختص الثقافة التنظيمية وتجربة الموظف. حاصل على درجة الماجستير في علم النفس الصناعي والتنظيمي. تتركز اهتماماته في جلب مفاهيم ونظريات علم النفس إلى ميدان العمل لتطوير ورفع كفاءة المنظمات والعاملين فيها.. إقرأ المزيد

اترك تعليقاً