مقالة

عملت مايكروسوفت خلال العقد الماضي على نقل ثقافتها التي تُركز على “العارف بكل شيء – know it all”، لثقافة “الباحث عن المعرفة – learn it all” بقيادة رئيسها التنفيذي “ساتيا ناديلا”. الثقافة التي يعزى لها تمركز مايكروسوفت اليوم في مقدمة الشركات الأعلى قيمة.

بدأ هذا التحول الثقافي من تأثر الرئيس التنفيذي لمايكروسوفت “ساتيا” بأفكار عالمة النفس “كارول دويك” التي وجدت أن أصحاب “العقلية الثابتة fixed mindset” يتجنبون التحديات ويشعرون بالإحباط عند الفشل مما يحد من فرص تعلمهم، بينما أصحاب “عقلية النمو growth mindset” يتحفزون لمواجهة التحديات ويرون الفشل كفرصة للتعلم والتطور. يرى من لديه عقلية ثابتة أن نجاحه يأتي من قدراته الفطرية، بعكس من لديه عقلية نمو إذ يرى أن النجاح يأتي من الجهد والتعلم.

وجد “ساتيا” أن منظور عقلية النمو الذي يركز على الأخذ بالتحديات والتعلم من الأخطاء والتطور المستمر ينطبق على شركته بنفس القدر الذي ينطبق عليه كشخص مما دفعه لتبنيه على مستوى المنظمة على اعتباره تحولًا ثقافيًا.

نتج عن هذا التحول تغيرًا ملحوظًا على الأفراد والفرق والثقافة التنظيمية. إذ ارتفع معه التعاون، وأصبح الابتكار روتينًا يوميًا، وتعززت ثقافة المخاطرة المحسوبة دون الخوف من الفشل.

يقول “ساتيا” أن هذا التحول الثقافي لم يكن ليحدث لو أنني دفعت به كمسلمة قرأها رئيس وطبقها على مرؤوسيه، وإنما حصل بسبب:

1. أننا صغنا المفهوم على أنه إجراء مستمر ومتجدد، يسعى كل فرد فيه لمواجهة “عقليته الثابته- fixed mindset”.

2. أن هذا المفهوم يلامسنا كبشر، فهو يجعلنا أباء وزملاء وقادة أفضل فهو لا يقتصر على المنظمة.

بالإضافة لتعزيز عقلية النمو، انتهج “ساتيا” أسلوبًا قياديًا متعاطفًا (empathetic)، إذ تأثر بأطروحات عالم النفس “مارشال روزنبرغ” التي تركز على الفهم المتعمق لمشاعر واحتياجات الآخرين من خلال الاستماع المتعاطف دون إصدار أحكام أو تقديم نصائح. ساهم هذا الأسلوب في التواصل في خلق بيئة عمل متفهمة وشمولية يشعر فيها الآخرين بالأمان في التعبير عن أفكارهم والوقوع في الأخطاء.

إن النهج الذي انتهجته مايكروسوفت يؤكد ما قاله عالم السلوك روري ساذرلاند إن “الثورة القادمة ليست تكنولوجية، بل نفسية!”

تطبيقات علم النفس في مكان العمل لا حصر لها. يمكن للمنظمات أن تُحدث المعجزات إذ استثمرت في فهم النفس البشرية ودوافعها ومحركاتها والتأثير عليها إيجابًا بما يخدم مستهدفاتها الاستراتيجية.